تركيا 24 / خاص
من أعمدة حزب العدالة والتنمية (المصباح) في المغرب، حضوره قوة، وغيابه ضعف في هيكلته الحزبية أو الحكومية، مرافعاته في المملكة وخارجها شاهدة على تاريخ من النضال الحقوقي والسياسي، من ملف “السلفيين” وحتى حركة “النهضة” التونسية.
اسمه “المصطفى الرميد”، ومنصبه “وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان”، أحد أبرز قيادات حزب “العدالة والتنمية” ذو المرجعية الإسلامية وقائد الائتلاف الحكومي.
لا يختفي إلا ليظهر من جديد على الساحة، مثيرا ضجيجا إعلاميا بتصريحاته حول حقوق الإنسان أو تقديم الاستقالة من منصبه على مدار نحو عقد من الزمن.
حضوره في مسيرات حراك “20 فبراير” مع بداية موجة الربيع العربي رافعا لافتة “ملكية برلمانية” (يسود الملك ولا يحكم)، ومتخلصا من عباءة “الزعيم” و”التنظيم”، أثارت زوبعة لم تنحصر شظاياها حتى يومنا هذا.
انتصر له رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران رغم “أزمة اللافتة”، وتقلد منصب وزير العدل والحريات من 3 يناير/كانون الثاني 2012 وحتى 5 أبريل/نيسان 2017، ويشغل منذ 2017 منصب وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان في حكومة سعد الدين العثماني.
مع تقديم استقالته في الأول من مارس/آذار 2021، لدواع صحية، أثار لغطا في المغرب، واتصل به الملك محمد السادس طالبا منه مواصلة مهامه، ليقبل ذلك “طاعة” من خلال رسالة قدم فيها حيثيات الاتصال، واعتبرت “ميزة إضافية” له في مساره السياسي.
تاريخ من الاستقالات
تقديم الاستقالة إلى رئيس الحكومة العثماني؛ لعدم قدرته على الاستمرار في “تحمل أعباء المسؤولية جراء حالته الصحية”، وفق رسالة الاستقالة، اعتبرها متابعون للشأن السياسي أنها “جاءت ربما بسبب قضايا، بينها موجة اعتقالات استهدفت حقوقيين وصحفيين فجاء الداعي الصحي فرصة للانسحاب”.
وبتراجعه عن قراره “طاعة” للملك محمد السادس بعد اتصاله به فور تقديم الاستقالة، في حدث نادر، يكون الرميد (62 عاما)، صاحب مشوار طويل مر به مهددا بالاستقالة من الحزب أو المنصب الوزاري منذ سنوات، لـ”أسباب غالبا مرتبطة بسياقات مرحلة معينة أو قرارات سياسية خارج إرادته أو صحية”.
خلال احتجاجات حراك “20 فبراير” عام 2011، لوّح الرميد بتقديم استقالته من الأمانة العامة لـ”العدالة والتنمية”، بسبب قراءات “غير موفقة لقيادة المصباح” لطبيعة المرحلة آنذاك، ففي الوقت الذي دعا فيه بنكيران قواعد الحزب لعدم المشاركة في الاحتجاجات.
لكن، تمرّد الرميد وخرج إلى شوارع الرباط بجانب آلاف المتظاهرين المطالبين بـ”الحرية والعدالة والكرامة”.
وفي عام 2012، لما كان وزيرا للعدل والحريات، هدد بالاستقالة، في غضون سنتين؛ إذا فشل في الرفع من أجور القضاة، وعاد مرة أخرى إلى التلويح بهذه الورقة خلال 2016 في عز أجواء الانتخابات التشريعية التي كانت تنظم في البلاد، بسبب خلاف مع اللجنة العليا المكلفة بالانتخابات لـ”وجود تجاوزات طالت العملية الانتخابية”.
وفي تعليق على اتصال الملك بالرميد عقب رسالة الاستقالة، قال الصحفي رضوان الرمضاني: “على من يستغرب أنّا تكون للرميد هذه الحظوة، ليس في الحكومة فحسب، بل في مقطورة تدبير مرحلة سياسية، قوامها تجربة (شبه) إسلامية في الحكومة، (عليه) أن يعي أن الرجل أكبر من وزير، بل جاز وصفه بالعميد”.
وأضاف في تدوينة على صفحته بـ”فيسبوك” في الأول من مارس/آذار: “ما على من تفاجأ، أو سخر، أو كاد، إلا أن يتذكر أن استقبال الملك لابن كيران، لتكليفه بتشكل الحكومة بعد انتخابات 2016، كان بحضور الرميد، وقد كانت في حدود طاقة ذاكرتي، سابقة.. ولا أحد يدري، إلى حدود اللحظة، لِمَ استُدعي الرميد، ولا ما قيل في الاستقبال إياه”.
ولفت إلى أن “على من يشك، أو يستغرب، أن يتذكر أن الرميد لعب، في السنوات الأخيرة للملك الراحل الحسن الثاني، دورا كبيرا في إعداد -تهيئة- للإسلاميين، ليس بالشكل الذي يحاول البعض تصويره عَمَالة، وإنما في إطار نسق أكبر ليس بوسع (المستبجدين/أي المنتمين الجدد للعدالة والتنمية) إدراكه”.
على من يستغرب أنّا تكون للرميد هذه الحظوة، ليس في الحكومة فحسب، بل في مقطورة تدبير مرحلة سياسية، قوامها تجربة (شبه)…
Posted by Ridouane Erramdani on Monday, March 1, 2021
مسار حافل
ولد الرميد عام 1959، في مدينة الجديدة (غرب)، وخلال مرحلة تعليمه الثانوي، تم توقيفه عن الدراسة لمرتين بسبب صراعاته مع التيار الماركسي.
فمنذ سن 14 عاما، اكتشف الرميد دروب ومسالك العمل الدعوي في صفوف الشبيبة الإسلامية ما بين 1973 و1974، عندما كان المغرب يجتاز ظرفية سياسية عصيبة. كانت رسالة وجهها وقتها إلى زعيم الشبيبة عبد الكريم مطيع، سببا في تهميشه وإبعاده عن هذا التنظيم.
شرع الرميد في إمامة المصلين وإلقاء دروس دينية منذ تخرجه في دار الحديث الحسنية نهاية السبعينيات إلى حين توقيفه في الثمانينيات، وأصبح شخصا مرغوبا فيه من قبل تنظيمات أخرى، بينها جماعة “العدل والإحسان” التي رفض دعوتها له بالانضمام في صفوفها، تعبيرا منه عن رفضه لتكرار تجربة العمل غير المعترف به (الشبيبة الإسلامية).
مزاولته مهنة المحاماة سنة 1984 من خلال دفاعه ومتابعته لملفات “التيار السلفي” (بعد عام 2003)، والحقوقيين والمتابعين في قضايا النشر والصحافة، ساعدت في سطوع نجمه في الإعلام، ومن بين أبرز ملفات مرافعاته دفاعه عن زميله بنكيران حينما كان مديرا لجريدة “التجديد”، وعن مدير صحيفة “المساء”، رشيد نيني، في 2011.
اشتهر الرميد بمناصرته لمبدأ حرية الصحافة و”الحركات الإسلامية”، حتى امتدت لخارج المغرب، من خلال مآزرته عام 1990 مناضلي حركة “النهضة” التونسية (خلال أزمتهم الداخلية مع نظام الراحل زين العابدين بن علي).
انتقل إلى مرحلة ممارسة العمل السياسي العلني عندما فتح السياسي المغربي الراحل عبد الكريم الخطيب أبواب “الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية” (حزب العدالة والتنمية حاليا) في وجه العديد من أعضاء الحركة الإسلامية، عام 1998.
تجربته الناضجة داخل الحزب، جعلته يتقلد مهام حزبية عديدة إذ أشرف على رئاسة الكتلة النيابية، والفريق النيابي للحزب لولايتين متقطعتين (2002-2011)، ثم رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، إحدى ركائز العمل التشريعي بالغرفة الأولى للبرلمان.
وأسس “منتدى الكرامة لحقوق الإنسان” سنة 2006 والذي شغل منصب رئيسه إلى غاية تعيينه وزيرا في 2011، حيث استقال من الرئاسة حفاظا على استقلالية هذا الإطار الحقوقي الشهير في المملكة.
3 محطات
وفي قراءة إجمالية لمسار الرميد، قال الباحث في العلوم السياسية أمين الإدريسي: “يمكن تقسيمها لـ3 محطات باختزال، الأولى زمن المعارضة التي كان فيها وجها شرسا خلال فترة ترؤسه لكتلته البرلمانية لأكثر من دورة (1997-2011)، وأبان عن قوة في الدفاع عن قناعات ومواقف حزبه”.
وأوضح الإدريسي في حديث لـ”تركيا 24″، أن “هذه المواقف تجلت خاصة في الجانب الحقوقي والدفاع عن الديمقراطية، وخاصة الملكية البرلمانية وكان يعتبرها الرميد الوجه الآخر والأفضل للديمقراطية وأنه لا ديمقراطية دون ملكية برلمانية، وكان هذا المطلب إشكالا في تلك الفترة له مع القصر وحاكميه”.
وأضاف “كما أبان عن شراسة في الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال ترؤسة منتدى الكرامة لحقوق الإنسان ومواقفه وتدخلاته ونضالاته في هذا الباب لا تزال مشهودة، ولا أدل على ذلك أن الرميد من القادة القلائل الذين خرجوا إلى الشارع أيام حراك 20 فبراير الشهير، على خلاف الموقف الرسمي للحزب الذي تبناه بنكيران بمقاطعة الحركة ومسيراتها”.
المحطة الثانية -وفق الإدريسي- عندما كاد الرميد أن يكون سببا في انفراط عقد حكومة بنكيران قبل تشكيلها عام 2012، بسبب “الفيتو” (المنع) المسلط عليه من السلطات العليا (لدعوته إلى الملكية البرلمانية)، لكن بنكيران استمات دفاعا عنه حتى عُيّن وزيرا للعدل والحريات.
ويؤكد الإدريسي أنه “خلال هذه الفترة أبان قيادي المصباح عن حماس كبير لإصلاح القضاء والعدالة في المغرب، وكان من منجزاته إطلاق الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، الذي أفرز خطتها، وبدأت علاقته تتقوى وتتوطد داخل مراكز نفوذ الدولة وتحديدا لدى القصر الملكي، حيث أزيل عنه الفيتو وأصبح شخصا مقبولا لدى السلطات العليا”.
المحطة الثالثة، وهي ما بعد 2017 أي بعد إعفاء بنكيران وتعيين العثماني، حيث بدا الرميد مترددا في هذه المرحلة، وطغت عليه نوع من “التبريرية” لهذا المسار الجديد الذي دخله الحزب، وفق الباحث المغربي.
وقال الإدريسي: “حسب تحليلاته يتحدث الرميد عن أن الوضع الوطني والدولي لم يعد يسمح برفع السقف والنضال، ويجب على الحزب أن يفوّت على المتربصين به أي محاولة للزج به في متاهات قد لا يتحملها، وهو يقصد إمكانية عزل المصباح عن المشهد السياسي أو تقويضه، وبالتالي يجب على الحزب تقديم التنازلات، دون الدخول في أي مواجهة مع الدولة”.
وأضاف “في هذا السياق ظهر التردد بشكل كبير في سلوك الرميد وتلويحه كثيرا بالاستقالة، والتي أضحت الاستقالات معه غير ذات معنى”.
وختم الإدريسي قراءته لشخصية أحد “صقور” المصباح بالقول: “الرميد يبدو أنه تتجاذبه نزعتان، الأولى نحو الاستمرار في المبدئية، والثانية نحو الواقعية، وهذا التنازع يخلق لديه هذا التردد”.
وتابع: “قد يكون قيادي المصباح غير راض على المسار الذي دخله، لكن لم يعد هناك مجال أن يتراجع عنه هو أو غيره من قيادات حزبه، وهذا التشويش الحاصل عنده مؤخرا في هذه الصيرورة التي يمكن غير راض عنها لكنها تحصيل حاصل لا رجعة فيها”.