تركيا 24 / خاص
يرى خبراء أن ما تتخذه فرنسا من مواقف معادية للإسلام بينما تعاني مشاكل اقتصادية بسبب تداعيات وباء كوفيد-19، يشبه ما حدث إبان الحرب العالمية الثانية حينما اتهمت اليهود بالتسبب في أزمتها آنذاك، ووصفتهم بالعناصر التي تضر هويتها الوطنية.
وفي يومنا الحاضر، تجاوزت “الإسلاموفوبيا” التي ترجع جذورها إلى الحملات الصليبية، ما هو أبعد من مخاوف لا أصل لها تجاه الإسلام، بالحضارة الغربية وتحولت إلى توجه يحد من تحركات المسلمين وظهورهم في الأماكن العامة.
وأدى ربط الولايات المتحدة الأمريكية الدين الإسلامي والمسلمين بـ “الإرهاب” عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلو عام 2001، إلى زيادة الكراهية ضد الإسلام في فرنسا والعالم.
وكانت الاحتجاجات التي حدثت في فرنسا عام 2005، العامل الذي ساعد على تصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد التي شهدت مظاهرات استمرت 3 أسابيع احتجاجاً على مقتل شباب من أصول شمالي إفريقية فروا من كمين للشرطة لفحص الهوية.
كما كانت الهجمات على مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة في باريس في يناير/ كانون ثاني عام 2015 من أسباب تنامي “الإسلاموفوبيا” في البلاد.
وأدى تبني تنظيم “داعش” الإرهابي الهجوم الذي راح ضحيته أكثر من 132 شخصاً في باريس في نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2015، إلى زيادة عدد الجرائم وتنامي الكراهية ضد المسلمين في عدة دول أوروبية، بمقدمتها فرنسا.
ولا يزال المجتمع المسلم في فرنسا يعاني من تنامي هذه الظاهرة، بسبب هذين الحادثين الذين وقعا في فترة قصيرة من العام نفسه.
وفي الأيام الماضية تعرضت سيدتان مسلمتان للطعن قرب برج إيفل في باريس، كما قامت امرأة فرنسية تعرضت للعنف من زوجها بالتبليغ عنه للشرطة بزعم أنه “مسلم متطرف” رغم أنخ مسيحياً كاثوليكياً.
ويرى خبراء تحدثوا بشكل منفصل لـ”تركيا 24″، أن هذه الأحداث من مظاهر الصورة السلبية التي تشكلت في البلاد عن الإسلام والمسلمين.
وتحدث هؤلاء عن مشروع القانون الذي أعدته إدارة ماكرون “للتصدي للأفكار الانفصالية”، ومحاولات إغلاق الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني الخاصة بالمسلمين، وحوادث “الإسلاموفوبيا” التي حدثت في البلاد مؤخرا.
** تعميم التطرف مغالطة كبيرة
البروفيسور سرحات أولاغلي، عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام جامعة مرمرة، قال إن “هدم مسجد عمر بفرنسا، وترحيل 150 إماما، وأحداث الإسلاموفوبيا التي تأججت من جديد في البلاد أمر مثير للقلق”.
ولفت أولاغلي إلى أن “الجماعات المتطرفة التي تسببت في تكون الصورة التي أدت إلى ظهور الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية، يتم استخدامها من قبل الأوساط السياسية الغربية”.
وأكد أن “اعتبار أن مجموعة ضئيلة متطرفة لا تراعي أيا من أخلاق الإسلام، تمثل كل العالم الإسلامي، يعد مغالطة كبيرة وظلما كبيرا للمسلمين”.
وأضاف أنه “لا فرق بين قيام (أدولف) هتلر (مؤسس الحزب النازي) بالإساءة لكل اليهود وتحميلهم مسؤولية كل الأحداث السيئة في ألمانيا، وبين ما يفعله الساسة الغربيون اليوم من محاولات لغرس الصورة السيئة عن المسلمين في أذهان المجتمعات الغربية”.
** الغرب سيحرم من الميراث الشرق الغني
وأوضح أن الادعاء بأن الإسلام هو المصدر الفكري للمشاكل في الدول المتقدمة والحديث عن ذلك في الإعلام وفي الأوساط السياسية “يمثل أحد مظاهر امتزاج أيديولوجيا الحملات الصليبية والحرب العالمية الثانية في الماضي بفكر العولمة”.
ولفت أولاغلي إلى أن ماكرون يرى نفسه وكأنه نابليون بونابرت ويحاول إظهار نفسه كذلك، كما يحاول إحياء فترة الإمبراطورية الفرنسية.
وتابع “عدد المسلمين في فرنسا 7 ملايين، ويشكلون أكبر ديانة في البلاد بعد المسيحية، وينتجون لها قيمة مضافة في كل المجالات، إلا أنه تتم محاولة إبعادهم عن الحياة اليومية عبر إظهارهم في صورة المتطرفين”.
وأردف أولاغلي أنه “من الضروري تطوير سياسات تحافظ على حقوق المجتمعات المسلمة في الغرب، وإلا سيُحرم من الميراث الغني للثقافة الشرقية والمستقبل المشرق للشرق”.
** استهداف المسلمين زاد من جرائم الكراهية
أما إحسان كارلي، عضو هيئة التدريس بقسم الصحافة كلية الإعلام جامعة قوجا إيلي، فقال إن “الكراهية المتنامية للإسلام في فرنسا لها عدة أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية”.
ولفت كارلي إلى أن ربط الولايات المتحدة الدين الإسلامي والمسلمين بالإرهاب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أدى إلى زيادة “الإسلاموفوبيا” في فرنسا، كما حدث في كل العالم.
وأوضح أن “خطاب الكراهية للإسلام الذي تتبناه أيديولوجية اليمين المتطرف سببه النظرية التي تقول عن العقيدة الإسلامية لا تتوافق مع العلمانية”.
وتابع أن حظر ارتداء موظفي الدولة الحجاب عام 2003، ومنع النقاب في الأماكن العامة عام 2010، زاد من النزاع بين المجتمعات المسلمة وبين الهوية الوطنية الفرنسية.
واعتبر كارلي أن وسائل الإعلام التابعة لليمين المتطرف لعبت دورا كبيرا في رسم الوعي الذي يشكل الإسلاموفوبيا، كما أن تصوير المسلمين على أنهم عناصر تضر بأمن فرنسا ووحدتها أدى إلى زيادة جرائم الكراهية ضد المساجد ودور العبادة.
وحول الإجراءات والتصريحات الفرنسية الأخيرة ضد الإسلام، قال كارلي إن قيام وزارة الداخلية بإيقاف أنشطة منظمات المجتمع المدني التي تمارس أنشطتها بشكل قانوني “سيؤدي إلى زيادة الإسلاموفوبيا بدلاً من الحد منها”.
** اتهام المسلمين بدلا من اليهود هذه المرة
بدورها، قالت الباحثة زينب بنان دوندوروجو الباحثة بكلية الإعلام جامعة قوجا إيلي، إن ما يمارس ضد المسلمين منذ بداية الألفينات وحتى اليوم، “يشبه كثيرا العداء لليهود في فترة الحرب العالمية الثانية”.
وأشارت دوندوروجو إلى أن الحد من حقوق وحريات المسلمين اليوم، يُذكر بالممارسات التي طبقت على اليهود الذين فروا من ألمانيا إلى فرنسا في فترة الحرب العالمية الثانية.
وأضافت “هذه المرة، بدلا من اليهود يتم اتهام المسلمين بأنهم هم المسؤولون عن المشاكل الاقتصادية في البلاد وبأنهم عناصر تضر بالهوية الوطنية الفرنسية”.
واعتبرت الباحثة بكلية الإعلام أن “هذه الأيديولوجيا ستصل إلى درجة التدخل في عبادات المسلمين ووضع قيود على تجمعاتهم”.
وأضافت أن “هذا الوضع يوحي أن فرنسا التي شهدت توقيع إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789، تطبق حقوق الحياة الأساسية والحريات والأمن ومواجهة القمع فقط على المواطنين ذوي الهوية الفرنسية”.
وأشارت دوندوروجو إلى أن فرنسا اليوم لا تحترم مطالبات المواطنين المسلمين بالمساواة في التعليم وفرص العمل وحرية العبادة.
وشهدت فرنسا خلال الأيام الماضية، نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، على واجهات بعض المباني في فرنسا.
والأربعاء، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريحات صحفية، إن فرنسا لن تتخلى عن “الرسوم الكاريكاتورية” (المسيئة للرسول محمد والإسلام).
وأثارت الرسوم وتصريحات ماكرون موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي، وأُطلقت في بعض الدول حملات مقاطعة للمنتجات والبضائع الفرنسية.
وإضافة إلى الرسوم المسيئة، تشهد مؤخرا، جدلا حول تصريحات قسم كبير من السياسيين، تستهدف الإسلام والمسلمين عقب حادثة قتل مدرس وقطع رأسه في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وخلال الأيام الأخيرة، زادت الضغوط وعمليات الدهم، التي تستهدف منظمات المجتمع المدني الإسلامية بفرنسا، على خلفية الحادث.