تركيا 24 / خاص
ظهور إعلامي متواصل في المغرب، لعبد اللطيف وهبي، الأمين العام الجديد لحزب “الأصالة والمعاصرة” (أكبر حزب معارض)، عبر تصريحات “غير مسبوقة” من خلال “خطب ود” “غريمه” حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، رغم أن الحزبين وضعا ” خطا أحمرا” بينهما.
الأصالة المعاصرة (شعاره الجرار) ومع بدايات تأسيسه عام 2007 من طرف مستشار الملك محمد السادس وصديق دراسته، فؤاد عالي الهمة، أُطلق عليه إعلاميا “حزب الدولة” و”السلطة”، فيما صرح قادته أنهم “جاؤوا لمواجهة الإسلاميين”، لتبدأ مرحلة “الصراع” بين “القطبين”.
“حلبة السياسة” في المغرب، كانت شاهدة على “المشاحنات” والتصريحات اللاذعة بين قيادات الأصالة والمعاصرة وخاصة أمينه العام إلياس العماري، والأمين العام السابق لـ”العدالة والتنمية” عبد الإله بنكيران، منذ أواخر 2007 وحتى 2016.
ومع تسليم رئاسة الحزب إلى وهبي، الذي ظل يردد من قبل انتخابه رغبته في إنهاء “سوء الفهم” بشأن الحزب والتحالف مع “العدالة والتنمية”(شعاره المصباح)، فتح قوسا آخر، سؤاله العريض، هل الخوف من تصدر “المصباح” انتخابات 2021 واستمرار “الجرار” في المعارضة دفع الدولة لإفساح المجال لوهبي في هذا التقارب؟.
*خطيئة النشأة
قبل تربعه على رئاسة الأصالة والمعاصرة، كان وهبي يدعو قادة الحزب السابقين إلى تصحيح “الصورة النمطية”، ومنها “حزب السلطة” و”العداء” للعدالة والتنمية.
وعقب انتخابه أمينا عاما للحزب في 9 فبراير/شباط الماضي، أكد وهبي أن عهد “القيادات التي تتكلم باسم السلطة” انتهى، معلنا تدشين “مرحلة جديدة” تتميز برسم مسافة بين السلطة والحزب “لينال احترام الجميع”.
كما أبدى وهبي استعداده للانفتاح على كل الأحزاب، بعيدا عن مقاطعة أي تيار يشتغل “وفق التوابث الوطنية”، قائلا “ليست لدينا خطوط حمراء في التحالف مع أي حزب سياسي، ولا مشكلة في التحالف مع العدالة والتنمية”.
فيما قال سعد الدين العثماني، أمين عام العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة، في تصريح أمام شباب حزبه قبل سنتين، إن “هناك حزب (في إشارة للأصالة والمعاصرة) أتى أول مرة ليحاربنا وجاء مرة ثانية لقطع الطريق علينا.. هذا لا يستحق أن يكون حزبا، نتمنى أن يغيروا هذه المنهجية وإلا فلا أمل”.
وبشأن نجاح وهبي في إزالة الصورة النمطية للأصالة والمعاصرة بأنه “حزب السلطة ومواجهة الإسلاميين”، قال المحلل السياسي المغربي، إسماعيل حمودي، في تصريح لـ”تركيا 24” إن “وهبي يحاول تغيير هذه الصورة، لكن من الصعب عليه ذلك، لأن خطيئة النشأة ستظل تلاحق حزبه طيلة حياته في المشهد السياسي”.
وأضاف “هل يستطيع أن يغير وهبي من الهوية السياسية والتكوينية لحزبه؟، في المرحلة الحالية من الصعب إحداث ذلك خلال زمن قصير، فالأمر سيتطلب وقتا طويلا، قد ينجح فيها الأصالة والمعاصرة في إعادة التجذر في المجتمع كحزب سياسي طبيعي وعادي.. وقد لا ينجح”.
* رغبة الدولة
وعن أسباب تغيّر خطاب الأصالة والمعاصرة من “العداء” إلى “التودد”، أرجع حمودي ذلك إلى “القيادة الجديدة/وهبي” و”إرادة الدولة في بدء مرحلة جديدة”.
وأوضح حمودي أن “وهبي حتى في المرحلة السابقة كان يعبّر عن مواقف مخالفة للقيادة السابقة وله علاقة شخصية بقادة ومسؤولي العدالة والتنمية، ومعروف بمواقفه غير الصدامية وتصريحاته التي تسعى لبناء جسور وعلاقات، وهو لا يمانع في الوجود مع المصباح في حكومة واحدة”.
وأضاف “بما أن وهبي يعبر عن خط سياسي متصالح مع العدالة والتنمية، فهو يخدم استراتيجية الدولة، في دفع الحياة السياسية إلى نوع من الهدوء الذي افتقدته في ظل القيادات السابقة (الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، وبنكيران، والعماري)”.
وتابع: “كما أن هذا التحول (في خطاب الجرار) مرتبط بإرادة الدولة من خلال إبعاد القيادات السياسية السابقة التي كانت تميل للصراع والتنازع، وهي رسالة مفادها أنها لا تحبذ السياسة القائمة على المواجهة المفتوحة، بل دشنت مرحلة جديدة تبحث فيها عن الهدوء في الحياة السياسية، والاشتغال مع الجميع دون القطيعة التي أدّت إليها الملاسنات بين القيادات السابقة”.
واعتبر حمودي أن “القيادة الجديدة للأصالة والمعاصرة في شخص وهبي، ورغم الخطاب الإيجابي تجاه العدالة والتنمية إلا أنها تريد أن تنزع منه بالسياسة ما لم تستطع انتزاعه بالصلافة والقوة وبلغة الصراع، وأن ما فشل فيه العماري بأسلوبه غير الودي، يريد أن يأخذه وهبي بلغة ودية”.
* تحالف “النقيضان”
يرى متابعون أن اصطفاف الأصالة والمعاصرة لأكثر من عقد من الزمن في المعارضة، ومع محافظة “العدالة والتنمية” على قوته التنظيمية رغم الضربات السياسية التي تلقاها خلال فترة ولايتين حكوميتين (منذ 2011)، جعل “الجرار” يغازل “المصباح” أملا في تحالف عقب الانتخابات التشريعية المقررة عام 2021.
وبدى ذلك واضحا من خلال تصريحات وهبي في تغيير نظرة الجرار للمصباح، ومحاولة التقرب منه، لإعادة الانصهار من جديد داخل المشهد السياسي بصورة مغايرة، ضمن استراتيجية “تسوية الخلافات لمرحلة التطبيع”، بعد “خيبة” استراتيجية المواجهة التي لم تكن “الخيار الناجح” لعرقلة نجاحات العدالة والتنمية في الانتخابات المغرب.
الأمين العام الجديد للأصالة والمعاصرة، كسّر في ظرف أقل من 8 أشهر “جليد” الخط الأحمر القائم منذ 2007، بالتأكيد في تصريحاته الإعلامية أنه لا يمانع في التحالف مع العدالة والتنمية، وسط صمت من الأخير.
غير أن تصريحات صحفية سابقة لـ”سليمان العمراني”، نائب الأمين العام للمصباح، أوضح فيها أن “المعطيات السياسية والسياقات هي التي تحدد موقفنا.. لا أقول إننا حتما سنتحالف مع الأصالة والمعاصرة، كما لا أقول حتما إننا لن نتحالف”.
وحول إمكانية تحالف “النقيضين”، قال حمودي “الأمر وارد، مادام الأصالة والمعاصرة غيّر من خطه السياسي القائم على المواجهة مع العدالة والتنمية، إلى خطاب جديد يدعو للتعاون والحوار والتوافق، فليس هناك ما يمنع المصباح من عدم قبول الجرار معه في حكومة واحدة”.