تركيا 24 / خاص
وضعت ضغوط الإدارة الفرنسية الأخيرة ضد المسلمين والمؤسسات الإسلامية، والاحتجاجات ضد مشروع قانون “الأمن الشامل” الذي اعتمده البرلمان مؤخرًا، البلاد في مواجهة اختبار خطير للديمقراطية.
ورغم الانتقادات التي أعربت عنها سلطات الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية وممثلو وسائل الإعلام وأغلبية المجتمع بمن فيهم الصحفيين، حول تسهيل القانون الأخير لـ “انتهاك خصوصية الحياة الخاصة وحرية الصحافة”، أقرت الحكومة مشروع قانون الأمن الشامل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مما أشعل فتيل عنف في مختلف أنحاء البلاد.
وفي ليلة إقرار القانون من قبل الحكومة، نظم الصحفيون احتجاجات بالقرب من الجمعية الوطنية في باريس، احتجاجًا على تقييد القانون الجديد حريتهم في التقاط الصور، فيما تعرض المواطنين في ضواحي المدن الكبرى لعنف غير مسبوق من قبل الشرطة، حيث استخدمت الشرطة العنف المفرط ضد المتظاهرين بدعوى تجاوزهم الوقت المسموح للوقفات والمظاهرات الاحتجاجية.
وفي اليوم التالي، ظهرت صور العنف الذي استخدمته الشرطة ضد المتظاهرين والصحفيين الذين التقطوا صورًا لمشاهد العنف في وسائل الإعلام، ما أعاد مشروع قانون الأمن الشامل إلى واجهة النقاشات المتصاعدة في فرنسا.
وفي مشروع القانون المذكور، تسمح المادتان 20 و22 لقوات الأمن باستخدام الكاميرات الشخصية وكاميرات الطائرات بدون طيار في عمليات فض المظاهرات والاحتجاجات، وتحظر التقاط ونشر الصور التي تُظهر قوات الأمن (الشرطة والدرك) أثناء فض تلك المظاهرات والاحتجاجات.
كما تفرض المادة 24 من القانون الجديد على المخالفين عقوبة تصل إلى دفع 45 ألف يورو والحبس لمدة تصل إلى عام واحد، ما جعل هذا القانون هدفا لانتقادات المجتمع الفرنسي لما يشكله من انتهاك للحقوق الشخصية والمبادئ الأساسية لحرية التعبير.
-اللاجئون يتعرضون لعنف الشرطة
ومساء 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أخرجت الشرطة الفرنسية وبالقوة نحو ألف لاجئ، ممن أقاموا خيامهم في ميدان الجمهورية وسط العاصمة باريس عقب إجلائهم من ملاجئهم في ضاحية “سان دنيس”، إحدى ضواحي باريس.
لم تكتف فرق الشرطة والدرك بتفريق اللاجئين بل طاردتهم في شوارع العاصمة ليلًا، قبل أن تستيقظ فرنسا مرة أخرى على صور العنف الذي تستخدمه قوات الأمن ضد اللاجئين والصحفيين.
هذه الأحداث، أعطت زخمًا للانتقادات الموجهة ضد مشروع قانون الشامل في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بينما قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين إن “قوات الأمن في خطر وأن القانون يحمي الشرطة والدرك من الاستهداف”، رغم تصاعد ردود الفعل المطالبة بسحب القانون في أوساط المجتمع الفرنسي.
– رجل أوروبا المريض
وقالت الانتقادات ضد قانون الأمن الشامل اختبار الديمقراطية في فرنسا إن باريس تحولت إلى “رجل أوروبا المريض” وأنها دخلت فعلية في “دوامة العنف”، وهي تحاول الآن شرعنته.
أدت سياسات مكافحة فيروس كورونا والتي تسببت في تباطؤ النمو الاقتصادي وإظهار عجز النظام الصحي، وخطوات الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته التي تستهدف المسلمين والمؤسسات الإسلامية اعتبارًا من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى جعل الحكومة الفرنسية هدفًا لانتقادات على المستويين الداخلي وفي الساحة الدولية.
كما دفعت المناورات والمغامرات السياسية غير الناجحة التي قادها ماكرون في سوريا والعراق وليبيا ولبنان وشرق المتوسط وقضية الصراع الأذربيجاني الأرميني، البلاد إلى حافة طريق مسدود في حلبة السياسة الداخلية.
كما يرى منتقدو ماكرون أن سياساته الداخلية كانت عاجزة وغير كافية ودفعت البلاد للتحول إلى أقصى اليمين، وأظهرت عدم تخلص باريس بعد من التقاليد الاستعمارية في السياسة الخارجية، ما يعني أن ماكرون سيكون في مواجهة صعوبات متعددة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2022.
– جنوح نحو السلطوية
من ناحية أخرى، نشرت وسائل الإعلام الفرنسية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مشاهد وصور تظهر قيام ثلاثة رجال شرطة يرتدون الزي الرسمي، بضرب الموسيقي الفرنسي من أصول أفريقية “ميشال زيكلير” لمدة 20 دقيقة، بعد دخوله الاستوديو الخاص به في الحي السابع عشر في باريس.
وقد أدان المدافعون عن حقوق الإنسان والجمعيات ذات الصلة تلك العنف المستخدم من قبل الشرطة، واصفين الإدارة الفرنسية بأنها “تتعمد الجنوح نحو إدارة سلطوية تبتعد عن الديمقراطية، بهدف تحويل البلاد إلى دولة بوليسية”.
وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جرى تنظيم أكثر من 100 احتجاج ضد “مشروع قانون الأمن الشامل” في جميع أنحاء فرنسا، بدعوة من تجمع “لا لقانون الأمن الشامل” المكون من منظمات صحفية ونقابات وجمعيات حقوقية.
وخلال تلك الاحتجاجات، اندلعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين الذين رددوا هتافات تطالب باستقالة ماكرون ووزير الداخلية درمان. فيما عملت الشرطة على تفريق المحتجين من مواطنين وصحفيين باستخدام الغاز المسيل للدموع.
كما هاجم المتظاهرون الشرطة وأضرموا النار في عدد من صناديق القمامة والمركبات والمقاهي، وأعلنت وزارة الداخلية عن إصابة 96 شرطيًا في تلك الاحتجاجات.
– تعنيف صحفي سوري
وتعرض الصحفي السوري أمير الحلبي، الذي فر من نظام الأسد ولجأ إلى فرنسا، لاعتداء من قبل الشرطة الفرنسية الأسبوع الماضي، أثناء مظاهرات معارضة لمشروع قانون الأمن الشامل.
وتحولت صور الصحفي السوري الذي هرب من نظام الأسد ويعمل مصورًا صحفيًا مستقلاً في فرنسا، والدماء تسيل على وجهه إلى رمز للعنف الذي ترتكبه الشركة الفرنسية ضد الصحفيين.
بدورها، وجهت منظمة “مراسلون بلا حدود” رسالة تضامن مع الحلبي، أدانت فيها العنف الذي تقوم به الشرطة الفرنسية ضد المتظاهرين والصحفيين في البلاد، مشددة على ضرورة توفير الحماية للعديد من الصحفيين السوريين الذين وصلوا إلى البلاد كلاجئين.
كما أدى نشر مشاهد لتوقيف الشرطة الفرنسية في مايو/ أيار 2019 لـ 6 شبان من ذوي البشرة الداكنة قبل إطلاق النار عليهم للاشتباه بمشاركتهم في عمليات سرقة، إلى صدمة كبيرة داخل المجتمع الفرنسي، لاسيما وأن مواصلة وسائل الإعلام الفرنسية ومواقع التواصل الاجتماعي نشر مشاهد جديدة تظهر حجم العنف الذي تمارسه الشرطة بات يشكل تحديًا للإدارة الفرنسية في اختبار الديمقراطية.